الاثنين، 5 ديسمبر 2011

هم يبكى وهم يضحك

ما بين «الليبرالية إن أمك تقلع الحجاب، أيوه أمك انت» و«إن كل كباريهات شارع الهرم ستتحول إلى أفرع من سلسلة محلات التوحيد والنور».. ما بين نظرة كل طرف إلى الآخر يعيش الواحد أجمل أيامه فى هذا البلد داعيا الله أن يتم عليه نعمة التعصب بسرعة عودة ماتشات الدورى… آه.. إنها الأيام التى يتمنى فيها الواحد لو أنه كان صحفيا رياضيا.. الأيام التى يفتقد فيها انشغال الناس بأهداف أحمد جعفر الأوفسايد والكور التى تسقط من حضن شريف إكرامى، بدلا من الفتى فى اللحم الحى الذى نعيشه عمّال على بطّال هذه الأيام.
ما بين «أن الليبراليين عايزين يلغوا المادة التانية علشان يحكمنا مسيحى» و«إن السلفيين هيعملوا لجان تفتيش على المحجبات فى الشارع» يعيش الواحد أزهى عصور (الأفوره) على يد شعب مبالغ فيه.. شعب خياله السينمائى يفوق عبقرية خيال مؤلفى سلسلة توم وجيرى، شعب لا بد أن يكون هو رائد خيال الكارتون ويجعل والت ديزنى نفسه يستحق الجنسية المصرية، وربما إذا فتشنا فى تاريخه سنكتشف أن أصول عائلته تنحدر من عزبة النخل مصنع الرجالة.
هل لديك شك أننا شعب كارتونى النزعة؟
الشعب الذى يمتلك اختراعا يحول البحر طحينة، ويمتلك الجرأة على أن يصف زيارة شخص له على أنها زيارة من النبى شخصيا (إحنا زارنا النبى) دون أن يرى فى هذا أى إساءة أو سوء أدب مع النبى ولكنه يرى فيها كرم ضيافة، الذى يرى أن حلاوة الطعام لا دليل عليها سوى التهام الأصابع خلفها حتى لا يفرط فى نقطة من هذا الطعام دون أن يستمتع بها حتى لو كلفه ذلك عاهة مستديمة، الذى تطالبه بأن يتوصى بربع اللانشون الذى يزنه فلا يفعل لكنه فى المقابل يمنحك ما هو أغلى (عينيا ليك)، الشعب الذى يذخر بكمية هائلة من نبطشية الأفراح بتاعت المحل محلك والبيت بيتك واشيلك فوق راسى وافرش لك الأرض رمل.. لأ أفرشهالك ورد.. ده لو مافيش غدا ادبح لك عيل من العيال نتغدى بيه.. تحب اعمل لك الواد على شوية بطاطس ولا تضربه كفتة؟
شعب -وأنا لا أُستثنى نفسى من هذه المبالغات أبدا فأنا ابن لها- تجرى المبالغة فى دمه فمن الطبيعى أن تنسحب على كل شىء بداية من الكلام عن مصروف البيت نهاية بالكلام عن مصر فى ظل الليبراليين والإسلاميين.
أنصار كل فريق ينسج الأساطير حول نيات وخطط الفريق الآخر بمنتهى السهولة، يضاف إلى هذا النسيج خلطة الفلفل والشطة والنكهة الشعبية التى تجعل الأساطير أكثر واقعية من أم الواقع نفسه، الإسلاميون يقولون إن الحرية فجور والديمقراطية كفر وإن الناس ستعيش أزهى عصور الفسق إذا ما سيطر الليبراليون على الحكم وإن الأعياد القومية ستتحول إلى حفلات جنس جماعى وإن الأقباط سيضربون المسلمين بالكرابيج عندما يصلون إلى الحكم بفضل الليبرالية وإن السيدات سيذهبن للتسوق من محلات «خير زمان» وهن يرتدين المايوهات وإن خالد يوسف سيقدم أول فيلم سكس فى تاريخ السينما العربية وإن بلاج سيدى بشر سيصبح اسمه «بلاج بشر» فقط وسيصبح شاطئا للعراة وإنهم سيلغون خانة الديانة من البطاقة وسيبيحون الزواج المدنى.. عارف زواج مدنى يعنى إيه؟ يعنى أمك المسلمة تتجوز واحد مسيحى.. أمى أنا؟ فيرد الليبراليون بأن الإسلاميين سيقتحمون البيوت ليفتشوا عن ألبومات تامر حسنى وأنهم سيهدمون الكنائس ويتقاضون الجزية من المسيحيين وسيجعلون الحجاب إجباريا وسيجلدون من لا تلتزم به وأنهم سيحرقون كل روايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وسيبقون فقط على الأعمال الكاملة للمنفلوطى وأنهم سيحرّمون الكرة والسياحة وسيهدمون الآثار الفرعونية وسيطبقون الحدود فيقطعون الأيدى ويجلدون ويرجمون وأنهم سيشكلون دوريات راكبة تشبه جماعة الأمر بالمعروف الموجودة فى السعودية التى تخطف الناس من الشارع دون إذن من أى جهة ويسحلونه إلى حيث يقيمون عليه الحد، وأنهم وأنهم، ودول هياكلوا دول لو حكموا ودول هيضربوا دول بالجزمة لو وصلوا وهكذا تسير الأمور منذ فترة فى البلد.
الشعب الذى تربى فى طفولته على الأساطير من نوعية «هادبحك دبح لو اتأخرت» و«هاعلقك من رموشك لو كدبت» و«الشمامة هتيجيلك وانت نايم تتف فى بُقّك» و«أبو رجل مسلوخة هيخيطك لو مشيت حافى»… هذا الشعب كبر الآن وأصبح ينسج أساطيره ومبالغاته على طريقته، منهم من يسىء الى الدين ومنهم من يسىء إلى البلد والشعب ومنهم من يبث الرعب والارتباك فى نفوس من هم حوله.. ومنهم اللى عاجباه اللعبة ويؤمن أنها تخدم مصالحه ويستغلها أقذر استغلال لتقسيمنا وتشتيت الانظار بعيدا عن أصل الحلم الذى يحاولون أن يغتالوه.. الحلم الذى استُشهد من أجله كثيرون هم بحق الأساطير الوحيدة التى يصدقها الواحد فى هذا البلد لأنه «شافها بعينه».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق